السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
يسرني أيها الاخوه ان أكتب لكم سيرة فاروق هذه الامه الذي قال فيه ابن
مسعود رضي الله عنه ( كان اسلامه فتحا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت إمارته
رحمه ) وسأحاول قدر المستطاع ان ألخص لكم حياة الفاروق عمر بن الخطاب رضي
الله عنه .
ووالله تعجز الايدي عن كتابة فتوحات امير المؤمنين عمر وتاريخه وتواضعه
وزهده ولاكن سأذكر لكم شطراْ من حياة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه .
اسمه كاملا رضي الله عنه
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح ابن عدي بن كعب القرشي
أسماء زوجاته رضي الله عنه
زينب بنت مظغون ابن حبيب وانجبت له عبدالله - عبد الرحمن الأكبر - حفصة ام المؤمنين هي زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم
ام كلثوم بنت جرول الخزاعيه وانجبت له عبيد الله - زيد الأصغر
جميلة بنت ثابت بن أبي الأفلح الأوسي وانجبت له عاصم وهو جد الخليفه عمر بن عبد العزيز
أم كلثوم بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وانجبت له زيد الاكبر - رقية
أم حكيم بنت الحارث بن هشام ابن المغيرة وانجبت له فاطمة
حبيبة بنت الخارجة الأنصارية وانجبت له عياض
وله امتان
فكيهة وانجبت له عبد الرحمن الأوسط - زينب
لهية وانجبت له عبد الرحمن الاصغر
عمر بن الخطاب في الجاهلية
في رحاب مكة المكرمة ، وجوها القائظ ، وريحها اللافحة ،
وصحاريها المقفره ، وبعد حادثة الفيل بثلاث عشرة سنة ؛ ولد عمر بن الخطاب
رضي الله عنه ، حيث نشأ في كنف والده ، وورث عنه طباعه الصارمة ، التي لا
تعرف الوهن ، والحزم الذي لا يدانيه التردد ، والغلظة التي لم يعرف فيها
ألوان الترف ، ولا مظاهر الثراء التي تحقق له ما يريد .
أمضى شطرا من حياته في الجاهليه ، ونشأ كأمثاله من أبناء قبيلته ، وامتاز
عليهم بأنه كان ممن تعلم القراءة والكتابة واصبح واحدا من سبعة عشر يتقنون
ذلك ، فحفظ الشعر وأيام العرب ، وأنسابهم ، غير أن أباه لم يتركه ليستمتع
بالقراءة بعد أن تعلمها ، بل حمله على أن يرعى له الإبل في الوديان
المعشبة المحيطة بمكة ، وأقبل على تعلم الفروسية والمصارعة حتى اتقنهما ،
فكان يمسك اذن الفرس بيد ، والاذن الاخرى بيده الاخرى ثم يثب على الفرس
حتى يقعد عليه بين اعجاب الشباب من قريش ، وينطلق بالفرس يسبق كل من
يسابقه ، ولقد تفوق في المصارعه حتى صرع كل من صارعه .
اشتغل عمر رضي الله عنه بالتجارة وربح منها ما جعله في وضع مادي لا بأس به
، وكسب معارف متعددة في البلاد التي زارها للتجارة ، فرحل الى الشام صيفا
والى اليمن شتاءْ ، واحتل مكانة بارزة في المجتمع المكي الجاهلي ، وأسهم
بشكل فاعل في بناء تاريخ اسرته ، حيث كان جده نفيل بن عبد العزى تحتكم
اليه قريش في منازعاتها ، فضلاْ عن ان جده الاعلى كعب بن لؤي كان عظيم
القدر والشأن عند العرب ، فقد ارخوا بسنة وفاته الى عام الفيل ، وتوارث
عمر عن اجداده هذه المنزلة الكبيرة ، قال عنه ابن سعد : (( إن عمر كان يقضي بين العرب في خصوماتهم قبل الاسلام )).
ولا ضير في ذلك فهو من أشراف قريش وإليه كانت السفارة ، وقال عنه إبن الجوزي (( كانت
السفارة الى عمر بن الخطاب ، إن وقع حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيرا ، او
نافرهم منافر ، او فاخرهم مفاخر ، بعثوه منافراْ ومفاخراْ , ورضوا به رضي
الله عنه )).
كان أهل مكة في الجاهلية يعبدون الاصنام ، ويتقربون إليها ، وكان عمر احد
هؤلاء الذين عكفوا على عبادتها ، وكان شبابها يشربون ويطربون ، فأدلى عمر
بدلوه معهم ، وأسام سرح اللهو حيث أساموا ! إلا أن ولعه بالمعرفة شغل
كثيرا من الوقت الذي يستهلكه غيره من الشباب في الملهيات .
ذلكم هو عمر بن الخطاب في الجاهلية : رجل قوي البنيان ، رابط الجأش ، ثابت
الجنان ، صارم حازم ، لا يعرف التردد والأرجحة ، احتشدت في شخصيته الرجولة
الحقة التي اكسبته مكانة بين قومه في الجاهلية والاسلام .
صفاته الخلقية :
أبيض أمهق ، تعلوه حمرة ، حسن الخدين والأنف والعينين ،
غليظ القدمين والكفين ، مجدول اللحم ، طويلاْ جسمياْ أصلع ، قد فرع الناس
طولاْ ، كأنه راكب على دابة ، وكان قويا شديداْ ، لا واهناْ ، ولا ضعيفاْ
، وكان يخضب بالحناء ، وكان طويل السبلة ( طرف الشارب ) وكان اذا مشى أسرع ، واذا تكلم أسمع ، واذا ضرب اوجع ، اعسر يسر ، يعمل بكلتا يديه .
إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
كانت أول شعاعة من نور لامست قلبه ، يوم رأى نساء قريش
يتركن بلدهن ويرحلن إلى بلد بعيد عن بلدهن بسبب ما لقين منه ومن غيره من
كفار مكة ، فرق قلبه ، وعاتبه ضميره ، فرثى لهن ، وأسمعهن الكلمة الطيبه
التي لم يكن يطمعن ان يسمعن منه مثلها .
قالت ام عبد الله بنت حنتمة : لما كنا نرتحل مهاجرين الى الحبشة ، أقبل
عمر حتى وقف علي ، وكنا نلقى منه البلاء والاذى والغلظه علينا ، فقال لي :
انه الانطلاق يا أم عبد الله ؟ قلت نعم ، والله لنخرجن في ارض الله ،
آذيتمونا وقهرتمونا ، حتى يجعل الله لنا فرجاْ ، . فقال عمر : صحبكم الله
. ورأيت منه رقة لم أرها قط . فلما جاء عامر بن ربيعة - وكان قد ذهب الى
بعض حاجاته - وذكرت له ذلك ، فقال : كأنك قد طمعت في إسلام عمر ؟ قلت له
نعم . فقال : انه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب . لم يكن أحد يصدق ان عمر
يسلم ، ولكن الله إستجاب فيه دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : (( اللهم أعز الاسلام بأحب الرجلين إليك : بأبي جهل بن هشام ، او بعمر بن الخطاب )) فكان من فضل الله على عمر أن كان أحب الرجلين إلى الله .
وبينما كانت قريش قد اجتمعت فتشاورت في أمر النبي صلى الله عليه وسلم
فقالوا : أي رجل يقتل محمداْ ؟ فقال عمر بن الخطاب : أنا لها ، فقالوا :
انت لها ياعمر . فخرج في الهاجرة ، في يوم شديد الحر ، متوشحاْ سيفه يريد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضاْ من أصحابه ، فيهم أبو بكر وعلي وحمزه
رضي الله عنهم في رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم بمكه ولم يخرج فيمن خرج الى ارض الحبشه ، وقد ذكروا له انهم
اجتمعوا في دار الارقم في اسفل الصفا . فلقيه نعيم بن عبد الله النحام ،
فقال : اين تريد يا عمر ؟ قال أريد هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفه
أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها فأقتله ، قال له نعيم : لبئس الممشى
مشيت يا عمر ، ولقد والله غرتك نفسك من نفسك ، ففرطت وأردت هلكة بني عدي ،
أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداْ ؟ فتحاورا حتى
علت أصواتهما ، فقال عمر : إني لأظنك قد صبوت ولو أعلم ذلك لبدأت بك ،
فلما رأى النحام أنه غير منته قال : فإني اخبرك ان اهلك واهل خنتك قد
اسلموا وتركوك وما انت عليه من ضلالتك .
فلما سمع مقالته قال : وأيهم ؟ قال : خنتك وابن عمك واختك .
فلما سمع عمر ان اخته وزوجها قد اسلما احتمله الغضب فذهب اليهم فلما قرع
الباب قالوا : من هذا ؟ قال : ابن الخطاب . وكانوا يقرؤون كتابا في ايديهم
، فلما سمعوا حس عمر قاموا مبادرين فاختبؤوا ونسوا الصحيفه على حالها .
فلما دخل ورأته اخته عرفت الشر في وجهه ، فخبأت الصحيفه تحت فخذها قال :
ما هذه الهيمنة ( الصوت الخفي ) التي سمعتها عندكم ؟ ( وكانوا يقرؤون طه )
فقالا : ما عدا حديث تحدثناه بيننا . قال : فلعلكما قد صبوتما ، فقالت
اخته : ارأيت يا عمر ان كان الحق في غير دينك ؟.. فوثب عمر على خنته ( اي زوج اخته )
سعيد وبطش بلحيته فتواثبا ، وكان عمر قوياْ شديداْ فضرب بسعيد الارض ووطئه
وطأْ ثم جلس على صدره ، فجاءت اخته فدفعته عن زوجها فنفحها نفحه بيده ،
فدمى وجهها ، فقالت وهي غضبى : يا عدو الله ، اتضربني على ان اوحد الله ؟
قال نعم . قالت : ما كنت فاعلا ففعل ، اشهد ان لا اله الا الله وان محمداْ
رسول الله ، لقد اسلمنا على رغم انفك ، فلما سمعها عمر ندم وقام عن صدر
زوجها فقعد ، ثم قال : اعطوني هذه الصحيفه التي عندكم فأقرأها ، فقالت
اخته لا افعل . قال : ويحك ، قد وقع في قلبي ما قلت ، فأعطينيها انظر
إليها ، وأعطيك من المواثيق ان لا اخونك حتى تحرزيها حيث شئت . قالت : انت
رجس ؛ ( ولا يمسه إلا المطهرون ) فقم فاغتسل او توضأ ، فخرج عمر ليغتسل ورجع الى اخته فدفعت اليه الصحيفه ، وكان فيها طه وسور اخر فرأى فيها : بسم الله الرحمن الرحين ، فلما مر بالرحمن الرحيم ذعر ، فألقى الصحيفه من يده ، ثم رجع الى نفسه فأخذها فإذا فيها : ( الايات من 1 - 8 من سورة طه ) فعظمت في صدره . فقال : من هذا فرت قريش ! ثم قرأ فلما بلغ الى قوله تعالى : (( إنني
أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري * إن الساعه آتية أكاد
أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى * فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه
فتردى ) طه 14 - 16 . قال : ينبغي لمن يقول هذا ان لا يعبد معه
غيره ، دلوني على محمد . فلما سمع خباب ذلك خرج من البيت فقال : أبشر يا
عمر ، فإني ارجوا ان تكون قد سبقت فيك دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم الاثنين : ( اللهم اعز الاسلام بأحب الرجلين اليك : بأبي جهل بن هشام ، او بعمر بن الخطاب
) قال : دلوني على مكان رسول الله ، فلما عرفوا منه الصدق قالوا : هو اسفل
الصفا . فاخذ عمر سيفه فتوحشه ثم عمد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه وضرب عليه الباب ، فلما سمعوا صوته وجلوا - وكان حمزه وطلحة على
الباب والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يوحى اليه - ولم يجترئ احد منهم ان
يفتح له ، لما قد علموا من شدته على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما
رأى حمزه وجل القوم ، قال : مالكم ؟ قالوا عمر بن الخطاب ؟ قال : عمر بن
الخطاب ؟ افتحوا له ؛ فان يرد الله به خيراْ يسلم ، وإن يرد غير ذلك يكن
قتله علينا هيناْ . ففتحوا له ، واخذ بحجزته وبجمع ردائه ثم جبذه جبذة
شديدة ، وقال : (( ما جاء بك يا ابن الخطاب ؟ والله ما ارى ان تنتهي حتى ينزل الله بك قارعه )) فقال له عمر : يا رسول الله ، جئتك اومن بالله وبرسوله وبما جئت به من عند الله ، قال : فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف
أهل البيت من أصحاب رسول الله ان عمر قد أسلم ، فتفرق أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم من مكانهم وقد عزوا في انفسهم حين اسلم عمر مع حمزة بن عبد
المطلب رضي الله عنه ، وعرفوا انهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم
، وينتصفون بهما من عدوهم )) .
لما اسلم عمر اسلم بإخلاص ، وعمل لتاكيد الاسلام بمثل الاندفاع الذي كان
يعمل به لمحاربته ، فقال : يا رسول الله ، ألسنا على الحق إن متنا وإن
حيينا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : بلى ، والذي نفسي بيده إنكم على الحق ،
إن متم وإن حييتم .
قال عمر : ففيم الاختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن وكان الرسول صلى اللع
عليه وسلم قد رأى انه قد آن الأوان للإعلان ،وان الدعوة التي كانت كالوليد
الضعيف الذي لا بد له من الرعاية والحفظ قد غدت قوية تدرج وتمشي وتستطيع
ان تدافع عن نفسها ، فأذن بالاعلان وخرج صلى الله عليه وسلم في صفين ، عمر
في أحدهما ، وحمزه في الاخر وكان لصفين كديد ككديد الطحين ، حتى دخل
المسجد ، فنظرت قريش الى عمر وحمزه ، فأصابتهم كآبه لم تصبهم قط وسماه
رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ( الفاروق )
روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه قال : ( ما زلنا اعزة منذ اسلم عمر ) . وقال : ( كان
اسلام عمر فتحاْ ، وكانت هجرتة نصراْ وكانت امارته رحمة ؛ لقد رأيتنا وما
نستطيع ان نصلي بالبيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا فصلينا
) .
كان إسلام عمر رضي الله عنه في السنه السادسه من النبوة بعد اسلام حمزة
رضي الله عنه بثلاثة أيام في ذي الحجة . وكان المسلمون يومئذ تسعة وثلاثين
. قال عمر رضي الله عنه : لقد رأيتني وما اسلم مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم الا تسعة وثلاثون رجلاْ فكملتهم أربعين . فأظهر الله دينه ، واعز
الاسلام . وروي انهم كانوا اربعين او بضعة واربعين رجلاْ وإحدى عشر امرأة
، ولكن عمر لم يكن يعرفهم لأن غالب من أسلم كان يخفيه خوفاْ من المشركين ،
ولا سيما عمر فقد كان عليهم شديداْ فذكر انه اكملهم اربعين ولم يذكر
النساء لأنه لا إعزاز بهن لضعفهن .
وحسب لإسلام عمر مكانة ورفعة وسمواْ قول ابن عباس : لما اسلم عمر قال المشركون : قد انتصف القوم منا وأنزل الله : ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) الانفال : 64 .
هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
بدأت الهجرة إلى المدينة بعد بيعة العقبة . فكان اول من
قدم المدينة من اصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم وهم : مصعب ابن عمير ،
وابن ام مكتوم ، ثم قدم بلال وسعد وعمار بن ياسر ، ثم قدم ابن الخطاب
في عشرين راكباْ . ولما عزم على الهجرة أخبر عياش بن أبي ربيعة وهشام بن
العاص ، واتفقوا على الصحبة على ان يجتمعوا في منازل في بني غفار على عشرة
أميال من مكة ، فمن تخلف عن الموعد تركوه ورحلوا ، فجاء عمر وعياش وحبس
هاشم في مكة وفتن في دينه ، فسار حتى وصل قباء ( في طرف المدينة
) فنزل على رفاعة بن عبد المنذر ، فلحقهما أبو جهل وأخوه الحارث ، فقالا
لعياش : إن امك قد نذرت الا يظلها سقف ، ولا يمس رأسها دهن حتى تراك ؛
فستشار عمر ، فقال له عمر : والله ما أراد الى ردك عن دينك ، فاحذرهما ولا
تذهب ، فوالله لو آذى امك القمل لدهنت ومتشطت ، ولو اشتد عليها حر مكة
لاستظلت . قال عياش ، فإن لي بمكة مالا لعلي آخذه فيكون قوه للمسلمين ،
وأكون قد بررت قسم أمي . فقال عمر : إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاْ ،
فلك نصف مالي ولا تذهب معهما ، فأبى إلا ان يخرج معهما ، فلما ابى قال له
عمر : اما إذ قد فعلت ما فعلت ، فخذ ناقتي هذه ، فإنها ناقه نجيبة ذلول
فالزم ظهرها ، إن رابك من القوم ريب فانج عليها ، فلما كانوا بضجنان ( جبل على بريد من مكه )
قال أبو جهل : والله يا اخي لقد استغلظت بعيري هذا افلا تعقبني على ناقتك
؟ قال : بلى . فأناخ وأناخا ليتحول عليها ، فلما استووا على الارض اوثقاه
ربطاْ ، حتى دخلا به مكه ، فقالا : هكذا يا اهل مكه فافعلوا بسفهائكم . ثم
حبسوه .
وروى علي بن ابي طالب رضي الله عنه : ما علمت ان احد من المهاجرين هاجر
إلا متخفيا ، إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ فإنه لما هم بالهجره تقلد
سيفه ، وتنكب قوسه ، وانتظى في يده اسهماْ واختصر عنزته ( العنزة عصا في قدر نصف الرمح ، وهي اطول من العصا وأقوى من الرمح )
، وذهب الى مكه ، والملأ من قريش بفنائها ، فطاف بالبيت ، سبعا متمكناْ ،
ثم اتى المقام ، فصلى متمكناْ ، ثم وقف على الحلق واحده واحده ... فقال
لهم : شاهت الوجوه ، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس ، من أراد ان تثكله امه
، ويوتم ولده ، او يرمل زوجه فيلقني وراء هذا الوادي . قال علي رضي الله
عنه : فما تبعه احد إلا قوم من المستضعفين ، علمهم وارشدهم ومضى لوجهه .
وكان قدوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى المدينه قبل مقدم النبي صلى
الله عليه وسلم إليها ، وكان معه من لحق به من اهله وقومه ، وأخوه زيد بن
الخطاب ، وعمرو وعبد الله أبنا سراقه بن المعتمر ، وخنيس بن حذافه السهمي
، زوج ابنته حفصة ، وابن عمه سعيد بن زيد ، وهو احد العشره المبشرين
بالجنه ، وواقد بن عبد الله التيمي ، حليف لهم ، وخولى بن ابي خولى ،
ومالك بن ابي خولى ، حليفان لهم من بني عجل وبنو البكير ، وإلياس وخالد ،
وعاقل ، وعامر ، وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث ، فنزلوا على رفاعه بن المنذر
في بني عمرو وبن عوف بقباء .
وهكذا ظل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خدمة دينه وعقيدته بالأقوال
والأفعال ، لا يخشى في الله لومة لائم ، وكان رضي الله عنه سنداْ وعيناْ
لمن اراد الهجره من مسلمي مكة حتى خرج ، ومعه هذا الوفد الكبير من أقاربه
وحلفائه . ساعد عمر رضي الله عنه غيره من أصحابة الذين يريدون الهجرة ،
وخشي عليهم من الفتنه والإبتلاء في أنفسهم .
هذا وقد نزل عمر رضي الله عنه بالمدينه ، واصبح وزير صدق لرسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عويم بن ساعده
، وقيل : بينه وبين عتبان بن مالك : وقيل : بينه وبين معاذ بن عفراء وقد
علق ابن عبد الهادي على ذلك وقال : لا تناقض بين الاحاديث ، ويكون الرسول
صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين كل اولئك في اوقات متعدده ؛ فإنه ليس
بممتنع ان يؤاخي بينه وبين كل اولئك في اوقات متعدده .
عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ميادين الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم
أجمع المؤرخون على ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شهد المشاهد جميعها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يغب عن واحده منها .
غزوة بدر : في هذه الغزوه تكلم عمر مع
المتكلمين حينما استشارهم الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بدء المعركه
فأحسن الكلام ، ودعا الى قتل المشركين ، وكان أول من استشهد من المسلمين
يوم بدر مهجع مولى عمر رضي الله عنه ، وقتل عمر رضي الله عنه خاله العاص
بن هشام المشرك ، وأشار بقتل أسرى بدر من المشركين . وعندما قدم عمير بن
وهب الى المدينه قبل اسلامه ، عرف عمر خبث نواياه فأمسك بحمالة سيف عمير
الذي في عنقه بشده فعطله عن إمكانية استخدام سيفه للاعتداء على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأمر نفراْ من الصحابة بحراسة الرسول صلى الله عليه
وسلم .
غزوة احد : كان من ضمن الصحابه الذين ابلوا
بلاءْ حسناْ فيها وثبت مع من ثبت من الصحابه ، وبعد نهاية المعركه قام ابو
سفيان بالسؤال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله
عنهما لعلمه بمكانة هؤلاء الثلاثة في جيش المسلمين ، ففي موتهم يعتقد
المشركون انهم قد قضوا على شأفة المسلمين .
غزوة بني المصطلق : كان لعمر موقف يريد فيه
قتل عبد الله بن أبي سلول ؛ الذي أضرم فتنه بين المسلمين فقال عمر : لرسول
الله صلى الله عليه وسلم دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال الرسول صلى
الله عليه وسلم ( فكيف يا عمر اذا تحدث الناس ان محمداْ يقتل أصحابة ؟ لا .. ولكن أذن بالرحيل ) .
غزوة الاحزاب : يروي جابر بن عبد الله فيقول
: ( إن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس ، فجعل يسب كفار
قريش وقال : يا رسول الله ، ما كدت ان اصلي حتى كادت الشمس تغرب ، قال
النبي صلى الله عليه وسلم : (( وانا والله ما صليتها . فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان ( احد اودية مكه ) ، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم بعدها المغرب ))
غزوة صلح الحديبية : ذكر المؤرخون ان عمر رضي
الله عنه اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، فقال : ما زلت أتصدق
وأصوم ، وأصلي ، وأعتق من الذي صنعت يومئذ ، مخافة كلامي الذي تكلمت به ،
حتى رجوت ان يكون خيراْ .
غزوة خيبر : عندما اقبل في خيبر نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد ، فقال صلى الله عليه وسلم (( كلا
اني رايته في النار في بردة غلها ، او عباءة ، ثم قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : يا ابن الخطاب ، اذهب فناد في الناس : إنه لا يدخل الجنه إلا
المؤمنون )) قال : فخرجت فناديت : ألا انه لا يدخل الجنه إلا المؤمنون .
فتح مكة : حينما قام حاطب بن أبي بلتعه
بإفشاء سر المسلمين نحو مكه مع احد النساء ، أوحى الله إلى نبيه بالأمر ،
وبعد تحقيق الرسول صلى الله عليه وسلم معه قال صلى الله عليه وسلم (( انه قد صدقكم . فقال عمر : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق ! فقال صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدراْ وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراْ فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ))
غزوة حنين : كان فيمن ثبت مع الرسول صلى الله
عليه وسلم في المعركة من المهاجرين ابو بكر وعمر رضي الله عنهما ، ومن
الصحابه من اهل بيته علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبد المطلب ، وابنه
الفضل ، وابو سفيان بن الحارث ، وابنه ، وغيرهم رضي الله عنهم جميعاْ .
غوزة تبوك : تصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
بنصف ماله ، وأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء للناس
بالبركة عندما أصاب الناس مجاعة ! . ثم قال صلى الله عليه وسلم : (( خذوا في أوعيتكم ))
فأخذوا في اوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاءْ إلا ملؤوه وأكلوا حتى
شبعوا وفضلت منه فضله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله لا يتلقى الله بها عبد غير شاك فيحجب عنه الجنه )) رواه مسلم
موقف عمر عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن اسحاق : قال الزهري : وحدثني سعيد بن المسيب ، عن
ابي هريرة قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب
رضي الله عنه ، فقال : ( ان رجالاْ من المنافقين يزعمون ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد توفي وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ولكنه
ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، فقد غاب عن قومه اربعين ليله ثم رجع
اليهم بعد ان قيل قد مات ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
رجع موسى ، فليقطعن ايدي رجال وارجلهم زعموا ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم مات ) . قال : واقبل ابو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر
، وهو يكلم الناس فلم يلتفت الى شئ حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه
وسلم في بين عائشه ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في ناحية البيت
عليه بردة حبرة فأقبل عليه حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : ثم اقبل عليه فقبله ثم قال : بأبي أنت وأمي ، اما الموتة التي كتبها
الله عليك فقد ذقتها ، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبداْ . قال : ثم رد البردة
على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج وعمر يكلم الناس فقال : على
رسلك يا عمر أنصت ! . فأبى إلا ان يتكلم ! . فلما رآه ابو بكر لا ينصت
اقبل على الناس ، فلما سمع الناس كلامه اقبلوا عليه وتركوا عمر ؛ فحمد
الله واثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنه من كان يعبد محمداْ فإن محمداْ
قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت . ثم تلا هذه الآية (( وما
محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم
ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )) أل عمران 144
قال : فو الله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الأية نزلت حتى تلاها ابو بكر
يومئذ قال : وأخذها الناس عن أبي بكر رضي الله عنه فإنما هي في أفواههم
فقال أبو هريرة : قال عمر رضي الله عنه والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر
تلاها ، فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد مات .
خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال ابن كثير : كانت وفاة الصديق رضي الله عنه في يوم
الإثنين عشية ، وقيل : بعد المغرب ، ودفن من ليلته ، وذلك لثمان بقين من
جمادى الاخر سنة ثلاث عشر بعد مرض دام خمسة عشر يوماْ . وكان عمر بن
الخطاب يصلي عنه فيها بالمسلمين ، وفي أثناء هذا المرض عهد بالأمر من بعده
إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكان الذي كتب العهد عثمان بن عفان ،
وقرئ على المسلمين فأقروا به وسمعوا له وأطاعوا . فكانت خلافة الصديق
سنتين وثلاثة اشهر ، وكان عمره يوم توفي ثلاثاْ وستين سنة ، السن الذي
توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جمع الله بينهما في التربة ،
كما جمع بينهما في الحياة ، فرضي الله عنه وأرضاة .
فقام بالأمر من بعده أتم القيام الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي
الله عنه وهو أول من سمي بأمير المؤمنين . وكان أول من حياه بها المغيرة
بن شعبة ، وقيل : غيره وقد تمت بيعة أمير المؤمنين " عمر بن الخطاب "
خليفة للمسلمين بإجماع الأمه على ذلك في اليوم التالي لوفاة " أبي بكر
الصديق رضي الله عنه وبدأ الخليفة الجديد يواجه الصعاب والتحديات التي
قابلته منذ اللحظة الأولى وبخاصة الموقف الحربي الدقيق لقوات المسلمين
بالشام ، وقد أمر عمر على الجيوش أبا عبيدة حين ولاه وعزل خالد بن الوليد
رضي الله عنهما ؛ فأرسل على الفور جيشاء إلى العراق بقيادة أبي عبيدة بن
مسعود الثقفي ، وكان عمر يخفي وراء شدته ، رقة ووداعة ورحمة عظيمة ، وكأنة
يجعل من تلك الشدة والغلظة والصرامة ستاراْ يخفي وراءه كل ذلك الفيض من
المشاعر الإنسانية العظيمة ، التي ميزته في القيادة الحكيمة .
الفتوحات الاسلامية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قد لا يسعني ايها الاخوه ذكر فتوحات أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه فهي كثيره وكثيره جدا فكيف أستطيع ان ألخص في سطور
فتوحات أكبر فاتح على وجه الارض فهو من كسر شوكة المجوس كسراْ لم ينجبر
بعدها وهو من أذل الفرس والروم وسأذكر لكم الاراضي التي فتحها وهي :
1- العراق : وأهم المعارك التي وقعت بالعراق معركة القادسيه .
2- إيران : وأهم المعارك التي وقعت في إيران معركة نهاوند .
3- الشام وفلسطين : وأهم المعارك التي وقعت معركة اليرموك .
4- مصر وليبيا : وأهم حدث فتح الإسكندرية في 29 رمضان سنة 21 هـ .
بعض الاحاديث الصحيحة في مناقب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
1- عن جابر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( رأيتني
دخلت الجنة ، فإذا بالرميصاء امرأة أبي طلحة . وسمعت خشفة فقلت ما هذا ؟
فقال : هذا بلال . ورأيت قصراْ بفنائه جارية فقلت : لمن هذا ؟ فقال : لعمر
، فأردت أن أدخله فنظر إليه ، فذكرت غيرتك . فقال عمر : بأبي انت وأمي يا
رسول الله ! أعليك أغار )) رواه البخاري
2- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( بينما أنا نائم . إذ رأيت قدحاْ أتيت به ، فيه لبن فشربت منه إنى لأرى الري يجري في أظافري . ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب )) قالوا : فماذا أولت ذلك ؟ يا رسول الله ! قال : (( العلم )) متفق عليه .
3- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر )) رواه البخاري
4- عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب )) صحيح ابن ماجه .
فاجعة مقتل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
على الرغم من سياسة العدل والخوف من الله تعالى الذي اتسم
به عمر رضي الله عنه في تسيير شؤون الدولة الإسلامية ، إلا ان هذا لم يشفع
له عند الحاقدين والمغرضين الذين امتلأت قلوبهم حقداْ وكرهاْ على أمير
المؤمنين عمر رضي الله عنه ؛ فلا ريب في حقدهم ، فقد طمس بإيمانه العظيم
بالله تعالى ، معالم الشرك في البلاد المفتوحة ، وقضى على البدع ،
والاهواء ، والزيغ ، والفساد ، وأحل بدلاْ من ذلك العدل ، والأمن ،
والرخاء ، قال الهرمزان ملك الاهواز حينما قدم المدينة على عمر : ( عدلت فأمنت فنمت ) .
وكان ابن مسعود إذا ذكر عمر رضي الله عنه أخذ يبكي حتى
يبتل الحصى من دموعه ، ثم يقول : (( إن عمر كان حصناً حصيناً للإسلام ،
وما رأيت عمر إلا وكان بين عينيه ملكاً يسدده .. كان إسلامه فتحاً ، وكانت
هجرته نصراً ، وكانت إمارته رحمة )) رواه البخاري
حقاْ لقد اسس رضي الله عنه دولة إسلاميه مترامية الأطراف ،
أقام اركانها ، ووطد بنيانها ، وبسطها حتى بلغت بحر قزوين وجنوب آسيا
الصغرى شمالاْ ، وحدود ليبيا غرباْ ، وأرض النوبة جنوباْ ، وخراسان
وسجستان شرقاْ ، وحكم عشرة أعوام ونحو نصف عام ، فيسر الله تعالى له أن
تكون دولته أقوى دولة في زمانه ، لذلك لم يكن مقتل عمر رضي الله عنه
حادثاْ فردياْ عابراْ بل كان مؤامرة سياسية واسعة اشتركت فيها كل القوى
المعاديه للإسلام آنذاك ؛ ممثله في تلك الشخصيات التي ظهرت على مسرح
الاحداث وتحدثت عنها الروايات التاريخيه وبينت لنا أطراف الجريمة
والمؤامرة .
حيث كان المتآمرون على قتله رضي الله عنه ثلاثة رؤوس رئيسة ، واربع مختلف عليه :
1- الهرمزان : الفارسي المجوسي ، ملك
الاهواز ، ومن كبار قادة الفرس في حربهم ضد المسلمين ، في معركة القادسية
، وقبلها ، وبعدها . وقد هزمه الله تعالى على ايدي المسلمين الفاتحين في
معركة تستر ، والقي القبض عليه ، وسيق أسيراْ الى المدينة ، في سنه 17 هـ
على الأرجح ، وبقي فيها بعد ما أخذ الأمان من الخليفة عمر رضي الله عنه .
2- أبو لؤلؤة فيروز : عبد للمغيرة بن
شعبة رضي الله عنه ، وأخذه من حروب الفرس ، وكان فارسياْ مجوسياْ ، وقع
رقيقاْ عبداْ في أحد حروب المسلمين للفرس ، ولما وزع العبيد الأرقاء على
المجاهدين ، كان هو من نصيب المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، وقد ألح
المغيرة بن شعبة على عمر رضي الله عنه أن يقيم أبو لؤلؤة في المدينة ،
لينتفع به المسلمون ، فهو حداد نجار نقاش صانع ، ويستفيد المغيرة من دخله
وأمواله ، لأنه عبد له فأذن عمر بذلك .
3- جفينة : عبد رقيق نصراني رومي ، كان من سبي الروم في فتح الشام ، وصار رقيقاْ من نصيب أحد المسلمين ، وأقام في المدينة .
4- كعب الأحبار : وكان من يهود اليمن ،
ومن أحبار اليهود هنالك ، والعاملين بالتوراة ، وقد أسلم في خلافة عمر رضي
الله عنه ، وانتقل من اليمن إلى المدينة ، وأقام فيها . وهذا الرابع مختلف
عليه ! .
تآمر هؤلاء المغرضون على حياة عمر رضي الله عنه ، حيث اخبر كعب الاحبار
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قد دنا أجله ، وقربت وفاته ، وزعم أن هذا
مذكور في التوراة !
وقبل اغتيال عمر رضي الله عنه جاء ابو لؤلؤة فيروز الفارسي شاكياْ سيده
المغيره بن شعبة . وقد كان المغيرة يطلب منه ان يدفع له كل يوم اربعة
دراهم ، مقابل الآلات الحديدية والطواحين التي يصنعها ، فاعتقد ابو لؤلؤة
انه مظلوم عند المغيرة ، وان المغيرة يستغله ويظلمه ، ويأخذ منه مالاْ
كثيراْ ! وهو أربعة دراهم في اليوم ! قال أبو لؤلؤة لعمر : يا امير
المؤمنين : إن المغيرة قد أثقل علي ، ويأخذ مني مالاْ كثيراْ ، فكلمه
ليخفف عني ، قال له عمر : ما طلب منك المغيرة مالاْ كثيراْ ، فاتق الله ،
وأحسن على مولاك ، وكان في نية عمر ، ان يكلم المغيرة عندما يقابلة ،
ويطلب منه ان يخفف على أبو لؤلؤة ! فذهب ابو لؤلؤة غاضباْ ، وهو يقول : إن
عدل عمر وسع الناس كلهم غيري ، فلم يعدل معي ! .
وكان أبو لؤلؤة موتوراْ حاقداْ على عمر بالذات ، لنجاح المسلمين في خلافته
في تحطيم الدولة الساسانية المجوسية . وكان ابو لؤلؤة إذا رأى أطفال
السبايا المجوس في المدينة ، يمسح على رؤوسهم ، ويبكي ، ويقول : لقد أكل
عمر كبدي !!! . وبعد المحاوره بينه وبين عمر اضمر قتله ، فصنع ابو لؤلؤة
خنجراْ له رأسان ، وكان حاداْ ماضياْ ، ونوى قتل عمر به .
ذهب ابو لؤلؤة الى الهرمزان ، واراه الخنجر ، وقال له : كيف ترى هذا ؟ قال
الهرمزان : إنك لا تضرب احداْ بهذا الخنجر الى قتله ! وكان عمر رضي الله
عنه يسير يوماْ في المدينة مع مجموعة من الصحابة ، فلقي ابا لؤلؤة في
الطريق . فقال له عمر : لقد سمعت انك تقول : لو اشاء لصنعت رحى ( طاحونة
) تطحن بالري ، فأجابه ابو لؤلؤة بغضب وحقد وعبوس : لأصنعن لك رحى يتحدث
بها الناس !!. فقال عمر للصحابة الذين معه : إن هذا العبد يهددني ويتوعدني
!! واجتمع ثلاثة من المتآمرين : الهرمزان وابو لؤلؤة وجفينة ، يتدارسون
كيفية تنفيذ المؤامرة ، واغتيال عمر ، وكان مع ابو لؤلؤة الخنجر الذي اعده
لجريمته . وبينما كان الثلاثة مجتمعين ، مر بهم عبد الرحمن بن ابي بكر
الصديق رضي الله عنهما . فما ان شاهدوه خافوا وفزعوا ، وكانوا جالسين على
الارض ، فهبوا واقفين فزعين ، فسقط من ابي لؤلؤة الخنجر الذي كان يحمله ،
وهو الخنجر الذي طعن به عمر بعد ذلك !! . ونفذ ابو لؤلؤة مؤامؤته ، وطعن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه بخنجره المسموم ذي الحدين ، فجر يوم الاربعاء
26 ذي الحجه سنه 23 هـ .
قال احد شهود الحادث العدواني على الخليفه عمر رضي الله عنه ، وهو عمرو بن ميمون الأودي رحمه الله :
إني لقائم ( أي : في الصف ينتظر صلاة الفجر
) ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس ، غداة اصيب ، وكان إذا مر بين
الصفين ، قال استووا ، فإذا استووا تقدم فكبر ، وربما قرأ سورة يوسف او
النحل او نحو ذلك في الركعه الاولى ، حتى يجتمع الناس ، فما هو إلا ان كبر
، فسمعته يقول : قتلني - او أكلني - الكلب ! حين طعنه ، فطار العلج بسكين
ذات طرفين ، لا يمر على احد يميناْ تو شمالاْ الا طعنه ، حتى طعن ثلاثة
عشر رجلاْ ، مات منهم سبعة ، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه
برنساْ ، فلما ظن العلج انه مأخوذ نحر نفسه ، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن
عوف فقدمه - للصلاة بالناس - فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى ، وأما نواحي
المسجد فإنهم لا يدرون ، غير انهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون : سبحان
الله ، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة ، فلما انصرفوا قال عمر : يا ابن
عباس ، انظر من قتلني ؟ فجال ساعه ، ثم جاء فقال : غلام المغيرة ، قال :
الصنع ، قال : نعم ، قال : قاتله الله قد امرت به معروفاْ ، الحمد لله
الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ! ... قال عمرو بن ميمون يكمل
روايته للحادث : فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه ، وكأن الناس لم تصيبهم
مصيبة قبل يومئذ ، فأتي بنبيذ ( تمرة نبذت في ماء اي : نقعت فيه ، كانوا يفعلون ذلك لاستعذاب الماء )
فشربه ، فخرج من جوفه ، ثم اتى بلبن فشربه فخرج من جوفه ، فعلموا انه ميت
، فدخلنا عليه ، وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه .. وقال : يا عبد الله بن
عمر ، انظر ما علي من الدين . فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين الفاْ او نحوه ،
قال : ان وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم ، وإلا فسل في بني عدي بن كعب
فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ، ولا تعدهم إلا غيرهم ، فأد عني هذا المال
، وإنطلق إلى عائشه ام المؤمنين فقل : يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل
امير المؤمنين ، فإني لست اليوم للمؤمنين اميراْ ، وقل : يستأذن عمر بن
الخطاب أن يبقى مع صاحبيه . فسلم عبد الله بن عمر ، واستأذن ثم دخل عليها
فوجدها قاعده تبكي ، فقال : يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ، ويستأذن أن
يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت اريد لنفسي ولاوثرنه به اليوم على نفسي .
فلما اقبل قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء ، قال عمر : ارفعوني ، فاسنده
رجل إليه فقال : ما لديك ؟ قال : الذي تحب يا أمير المؤمنين ، أذنت ؟ قال
: الحمد لله ، ما كان من شئ أهم إلي من ذلك . فإذا أنا قضيت فاحملني ثم
سلم فقل : يستأذن عمر بن الخطاب ؛ فإن أذنت فأدخلوني ، وإن ردتني ردوني
إلى مقابر المسلمين . قال : فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي ، عبد الله
بن عمر قال : يستأذن عمر بن الخطاب ، قالت عائشه : أدخلوه . فأدخل ، فوضع
هنالك مع صاحبيه .
وجاءت روايات أخرى فصلت بعض الاحداث التي لم تذكرها رواية عمرو بن ميمون
قال ابن عباس رضي الله عنه : إن عمر رضي الله عنه طعن في السحر ، طعنه ابو
لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ، وكان مجوسياْ ، وقال أبو رافع رضي الله عنه
: كان أبو لؤلؤة عبداْ للمغيرة بن شعبة ، وكان يصنع الأرحاء ، وكان
المغيرة يستغله كل يوم اربعة دراهم ، فلقي ابو لؤلؤة عمر ، فقال : يا أمير
المؤمنين ، إن المغيرة قد أثقل علي غلتي ! فكلمه ان يخفف عني . فقال عمر :
اتق الله واحسن الى مولاك . ومن نية عمر ان يلقى المغيره فيكلمه يخفف عنه
، فغضب العبد ، وقال : وسع كلهم عدله غيري ؟! فأضمر على قتله ، فاصطنع
خنجراْ له رأسان وشحذه وسمه ، ثم أتي به الهرمزان ، فقال : كيف ترى هذا ؟
قال : أرى انك لا تضرب به احداْ الا قتلته ، قال : فتحين ابو لؤلؤة عمر
فجاءه في صلاة الغداء حتى قام وراء عمر ، وكان عمر إذا اقيمت الصلاة يتكلم
ويقول , اقيموا صفوفكم ، فقال كما كان يقول : فلما كبر وجاء ابو لؤلؤة
وجأة ( ضربه بالسكين ) في كتفه ، ووجأه في خاصرته ، فسقط عمر ، قال عمرو بن ميمون رحمه الله سمعت عمر لما طعن يقول : (( وكان أمر الله قدراْ مقدوراْ )) سوره الاحزاب 38
ظل عمر رضي الله عنه يحتضر ثلاثة ايام ، وكانت هذه الايام كلها دروس وعبر
تتجلى فيه كل معاني الإيمان والخوف من الله والشعور بالمسؤوليه ، والنصح
لهذه الامه ، وحمل هم هذا الدين حتى الرمق الاخير ، حيث دعا وهو على فراش
الموت الى طريقه جعل امر الخلافه شورى بين الصحابه السته المبشرين بالجنه
، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم وهم : (( عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحه بن عبيد الله ، والزبير بن العوام )) رضي الله عنهم جميعا .
وقال عمر : ( والله لو كان ابو عبيده حيا لستخلفته )
ولم يجعل فيهم السابع المبشر بالجنه الذي كان حياْ آنذاك ، وهو سعيد بن
زيد رضي الله عنه ؛ لانه من بني عدي ، ومن أقارب عمر رضي الله عنه ، وكان
عمر شديد الحرص على إبعاد الإماره عن أقاربه ، حيث رفض ترشيح ابنه عبد
الله لهذا الامر ، حتى انتهى الامر بين أصحاب الشورى السته ؛ بإختيار
عثمان بن عفان ( ذي النورين ) .
وفي الختام
اسأل الله العلي القدير ان يجزي كل من قرأ هذا الموضوع
وإستفاد منه الاجر العظيم والهدايه وان يجمعنا مع نبيه واصحابه الاخيار
ابو بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ، وعلي ، وغيرهم من الصحابه رضي
الله عن الجميع في الفردوس الاعلى انه ولي ذلك والقادر عليه .
وجزاكم الله خير